
يعتبر هذا العصر من أزهى العصور في تاريخ الفنون الاسلامية ، حيث شهدت مصر في ذلك العهد تطوراً ملحوظاً ، خاصة في صناعة التحف النحاسية المطعمة بالذهب والفضة . واشتهرت زخرفة الحشوات بالتطعيم ، باضافة خيوط او اشرطة من العاج أو الخشب النفيس، تُكسى به التحف المختلفة ، التي ولع بها حكام المماليك ، مثل الابواب والمنابر والمساجد ، حيث غصت قصورهم وبيوتهم بالزخارف والتحف ، وانتشرت لديهم صناعة الخزف الحافلة بالزخارف ، وكان افضل لونين لديهم في هذه الزخارف الأخضر والأسود .
ولم ينسى الفنانون الزجاج والقوارير والأباريق والكؤوس والمصابيح خاصة المشكاة ، التي ميزت العهد المملوكي ، ولا زالت آثارها بادية في مصر حتى اليوم ، وشملت زخارفهم المنسوجات ، وخاصة الحرير، الذي تأثر نسيجه كثيراً بمنتجات الشرق الاقصى ، خاصة تلك الثقافة التي ادخلها المغول في غزوهم لديار الاسلام في المنطقة العربية .
أما الزخرفة على النحاس ، فلها حكاية أخرى ، وكان تطعيم النحاس بالذهب والفضة يسمى فن " التكفيت " ، بل خصصت لهذا الفن سوقاً خاصة سميت " سوق الكفتيين" .
هذا النمط من الزخرفة ، وصل مصر من الموصل بعد سقوطها في يد المغول ، ولقيت رواجاً كبيراً في مصر ، ومن اجمل مابقي من فنون ذلك العصر ، كرسيان مصنوعان من النحاس المخرّم المنقوش ، من عهد الملك الناصر محمد قلاوون ، يحمل احدهما اسم صانعه وهو محمد بن سنقر البغدادي السناني ، وتاريخ صنعه ايضاً سنة 728 هجرية .
وشاع في ذلك العصر استخدام رسوم ازواج من الطيور والبط الطائر ، الى جانب الزخارف النباتية المحلاة برسوم متشابكة ، تشغل فراغ السطح من الداخل والخارج .
وكان لفن الزخرفة المملوكي قيمة كبيرة حول حوض البحر المتوسط ، خاصة الزجاج المصقول والمذهّب ، والمعادن المرصّعة ، والأعمال الخشبية والمنسوجات ، فيما تولى الفنانون تزيين المنشآت بالزخارف والنقوش ، حيث حلّيت بها جدران وسقوف القصور والمساجد ، بزخارف جصية بديعة ، وبرع فنانو ذاك الزمان في الحفر على الخشب ، وتميزت تحفهم الخشبية بالدقة والاتقان ، خاصة منابر المساجد ، وقد عرف فنانو ذلك العصر ، أن الله قد جعل الطبيعة لوحة فنية بديعة ، وألهم الانسان فضيلة التأمل ، وخلق في نفسه الاحساس العالي بقيمة الجمال ، مما دفعهم الى الالتفات الى منظومة هذا الكون ، بنجومه وشموسه ، وما بينهما من تجاذب ، بالاضافة الى طبيعته الخلابة ، وحزمة قيم الانسان ومصفوفة أفكاره ، وجعل منها مادة اصيلة للتعبير ، من خلال الفن والزخرفة ، بحيث استطاع الفنان ان يجمع بين ابداع الموهبة ونتاج العبقرية ، وبين دقة الصنعة ومهارة التنفيذ وحسن الاخراج ، بل وحّد الذكاء بالخبرة ، لانتاج نماذج متجددة باقية . وهذا ما نلمسه في مقتنيات الكثير من المتاحف في العالم، خاصة ذاك الذي اطلق عليه المستشرقون فن الارابيسك ، الذي اشتهر به الفن المملوكي ، والممتد أصلاً من عصور اسلامية سابقة .
للعلم ، فأن اصل الارابيسك هذا ، هو ورقة نباتية ، تتفرع منها اغصان ، لايوجد في العادة مثلٌ لها في الطبيعة ، استوحاها الفنانون الاسلاميون ومن بينهم فنانو العصر المملوكي ، من خيال عبقريتهم ، عندما ابتكروا اشكالاً نباتية مختلفة ، خرجوا بها عن الاشكال الطبيعية المعروفة ، ضمن أشكال ذات ابعاد هندسية ، يتجسد فيها الكثير من الابعاد الأخرى ، ولكن ضمن اوصاف ذات رمزية ودلالات دينية . معالم هذا الفن واسسه العريقة لا زالت ممتدة حتى عصرنا الحاضر ، في مصر ، خاصة " المشكاة " التي لازالت تزيّن حواري وبيوت المصريين في شهر رمضان المبارك ، بل تعتبر مظهراً من مظاهر الاحتفال بهذا الشهر الفضيل .
اما فنون الكتاب والزخرفة ، فقد شهد تطوراً كبيراً ، واصبح له سمات معينة يصطبغ بها ذلك العصر ، وكان السلاطين يتنافسون على اقتناء افضل المصاحف التي ينتجها احسن الخطاطين والمزخرفين ، وبلغ التذهيب اوجه في عصر الناصر قلاوون وحرص الفنانون في زمنه على التوقيع بأسمائهم على تلك المصاحف ، وكان معظمهم يعملون في بلاط السلطان ، وهناك نسخ من هذه الاعمال في كل من المتحف البريطاني في لندن ، والمكتبة السليمانية في اسطنبول . وكانت الزخرفة الكوفية ، التي سادت في العصر الفاطمي ، هي النموذج المعتمد، واستمر استخدامها ، ردحاً من الزمن ، مضافاً اليها عناصر زخرفية جمعت ما بين فارس والأندلس .